أضيف بتاريخ: 16 - 03 - 2017
العصبيّة لدى الأطفال وكيفيّة التعامل معها
سأل معاوية ابن أبي سفيان، الأحنف بن قيس، عن الولد، فقال: (يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول عند كل جليلة، فإنْ طلبوا فأعطهم، وإنْ غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم، ويحبّوك جهدهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك)؛ فقال له معاوية: (لله أنت! لقد دخلت عليّ وإني لمملوء غيظاً على يزيد، ولقد أصلحت من قلبي له ما كان فسد).
بهذه العقلية نريد أنْ نكون في تعاملنا مع أبنائنا وبناتنا، وأنْ تكون نظرتنا إليهم نظرة إيجابية، وأنْ نغدق عليهم من عطفنا وحبنا، بدلاً من الصراخ في وجوههم، وإعلان الثورة عليهم لأتفه الأسباب؛ حتى لا يكتسبوا منا سلوكاً غير مرغوب فيه؛ فقد ثبت علمياً أنّ الطفل يتأثر بما يحيط به من الحنو أو القسوة تأثراً عميقاً، يصاحبه بقية حياته وعمره، ويشمل نواحيه الصحية والنفسية.
وكما هو معلوم لدى علماء التربية، فإنّ الجنين يولد وليس له سلوك مكتسب، بل يعتمد على أسرته في اكتساب سلوكاته وتنمية شخصيته؛ لأنّ الأسرة المحضن التربوي الأول الذي يرعى البذرة الإنسانية منذ ولادتها، ومنها يكتسب كثيراً من الخبرات والمعلومات والمهارات والسلوكات والقدرات، التي تؤثر في نموه النفسي إيجاباً وسلباً، وتشكل شخصيته بعد ذلك، وكما قال الشاعر أبو العلاء المعري:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
ومن الظواهر التي كثيراً ما يشكو منها الآباء والأمهات، ظاهرة العصبية لدى الأطفال، وفي هذه السطور، سنلقي الضوء على هذه الظاهرة بشيء من التفصيل.
تعريف العصبيّة
هي ضيق وتوتر وقلق نفسي شديد يمر به الإنسان، سواء الطفل أو البالغ، تجاه مشكلة أو موقف ما، يظهر في صورة صراخ أو ربما مشاجرات مع الأقران أو أقرب الناس مثل الأخوة والوالدين.
أسباب العصبيّة لدى الأطفال
يرى علماء النفس أنّ العصبية لدى الأطفال ترجع إلى أحد السببين الآتيين:
أوّلاً: أسباب عضويّة (مَرضيّة)، مثل:
- اضطرابات الغدَّة الدرقية.
- اضطرابات سوء الهضم.
- مرض الصرع.
وفي حالة وجود سبب عضوي، لا بدّ من اصطحاب الطفل إلى الطبيب المختص لمعالجته منه؛ فلا بدّ من التأكد من خلوه من الأمراض العضوية قبل البحث عن أسباب نفسية أو فسيولوجية تكمن وراء عصبيته.
وفي حالة التأكد من خلو الطفل من تلك الأمراض السابقة، علينا أنْ نبحث في السبب الثاني للعصبية، وهو التالي.
ثانياً: أسباب نفسيّة واجتماعيّة وتربويّة، تتمثل بـ:
- اتصاف الوالدين أو أحدهما بها؛ ما يجعل الطفل يقلد هذا السلوك الذي يراه أمام عينيه صباحاً ومساءً.
- غياب الحنان والدفء العاطفي داخل الأسرة التي ينتمي إليها الطفل، سواء بين الوالدين، أو إخوانه.
- عدم إشباع حاجات ورغبات الطفل المنطقية والمعتدلة.
- القسوة في التربية مع الأطفال، سواء بالضرب أو السب، أو عدم تقبل الطفل وتقديره، أو تعنيفه لأتفه الأسباب.
- الإسراف في تدليل الطفل؛ ما يربي لديه الأنانية والأثرة وحب الذات، ويجعله يثور عند عدم تحقيق رغباته.
- التفريق بين الأطفال في المعاملة داخل الأسرة، سواء الذكور أو الإناث، الكبار أو الصغار.
- مشاهدة التلفاز بكثرة، وخاصة الأفلام والمشاهد التي تحوي عنفاً وإثارةً، ومنها أفلام الرسوم المتحركة.
- هناك دور رئيس للمدرسة؛ فربما يكون أحد المعلمين أو إحدى المعلمات يتصف بالعصبية؛ ما يجعل الطفل متوتراً وعصبياً.
مظاهر العصبيّة لدى الأطفال:
- مص الأصابع.
- قضم الأظفار.
- إصرار الطفل على رأيه.
- بعض الحركات اللاشعورية، مثل تحريك الفم، أو الأذن، أو الرقبة، أو الرجل وهزها بشكل متواصل.
- صراخ الطفل بشكل دائم في حالة عدم تنفيذ مطالبه.
- كثرة المشاجرات مع أقرانه.
خطوات العلاج:
- أنْ يتخلى الوالدان عن العصبية في معاملة الطفل، وخاصةً في المواقف التي يكون فيها الغضب سيد الموقف؛ إذ إنّ الطفل يكتسب العصبية حينما يعيش في منزل يسوده التوتر والقلق.
- إشباع الحاجات السيكولوجية والعاطفية للطفل، بتوفير أجواء الاستقرار والمحبة والحنان والأمان والدفء، وتوفير الألعاب الضرورية والآلات التي ترضي ميوله ورغباته وهواياته.
- لا بدّ من أنْ يتخلى الآباء والمعلمون عن القسوة في معاملة الطفل أو ضربه أو توبيخه أو تحقيره؛ إذ إنّ هذه الأساليب تؤثر في شخصية الطفل، ولا تنتج لنا إلا العصبية والعدوانية.
- البعد عن الإسراف في حب وتدليل الطفل؛ لأنّ ذلك ينشئ طفلاً أنانياً لا يحب إلا نفسه، ولا يريد إلا تنفيذ مطالبه.
- عدم التفريق بين الأولاد في المعاملة أو تفضيل الذكور على الإناث، ولنا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأسوة الحسنة، في الحديث الذي يرويه البخاري عن عامر، قال سمعت النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية؛ فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية؛ فأمرتني أنْ أشهدك يا رسول الله؛ فقال: (أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟)، قال: لا، فقال: (فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم)، قال فرجع فرد عطيته.
- إعطاء الطفل شيئاً من الحرية، وخاصّةً في ما يتعلق بشراء ألعابه أو ملابسه، وعدم التدخل في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الطفل؛ لأنّ هذا يخلق جواً من القلق والتوتر بين الطفل ووالديه.
- استخدام أسلوب النقاش والحوار والإقناع مع الطفل العصبي بدلاً من الصراخ في وجهه؛ إذ إنّ ذلك لن يجدي معه نفعاً.
- تعزيز السلوك الإيجابي للطفل، سواء بالمكافآت المادية، أو بالتحفيز المعنوي عن طريق إطلاق عبارات المدح والثناء.
- إتاحة الفرصة للطفل لممارسة نشاطه الاجتماعي مع الأطفال الآخرين، وعدم الإفراط في الخوف عليه؛ إذ إنّ تفاعله مع الآخرين يساعد على نمو شخصيته الاجتماعية.
- مراقبة ما يشاهده الطفل في التلفاز، وعدم السماح له برؤية المشاهد التي تحوي عنفاً أو إثارةً.